كيتو وباليو: هل تزيد الحميات المعتمدة على الدهون من مخاطر الإصابة بأمراض القلب؟
تقدم الكثير من البلدان، ومنها المملكة المتحدة، منذ عقود نصائح طبية رسمية بخفض ما يتناوله الفرد من دهون مشبعة، لكن يتجاهل كثيرون تلك النصائح، معتقدين أن الدهون المشبعة لن تكون ضارة مهما تناولوا منها.
وتوجد الدهون المشبعة بكميات كبيرة في اللحوم ومنتجات الحليب كامل الدسم والكعك والبسكويت وزيت النخيل وزيت جوز الهند.
وإذا كنت ممن يتبعون إحدى الحميات الغذائية الشائعة الآن المعتمدة على تقليل الكربوهيدرات – كحمية “كيتو” أو “باليو” – فلابد وأنك تتناول من الدهون المشبعة أكثر من الحد الموصى به رسميا.
وينطبق نفس الأمر على من يسير مع موجة انتشرت في الآونة الأخيرة من إضافة بعض الزبد أو السمن إلى القهوة صباحا، إذ يسهل تجاوز حد الـ 20 غراما للنساء والـ 30 غراما للرجال الموصى به في بريطانيا.
ويتفق أغلب العلماء على أن الإفراط في الدهون المشبعة يرفع مستويات الكوليسترول في الدم، وهو ما قد يؤدي لضيق الشرايين واحتمال الإصابة بالسكتة القلبية أو الدماغية. لكن عددا من العلماء يقولون إن المشكلة في أمراض القلب ليس سببها الدهون المشبعة، وإنما السبب في ذلك هو الالتهاب المزمن.
وتنصح الجهات الصحية بأغلب البلدان السكان بتقليل الدهون، وخصوصا المشبعة، ومنها نصائح بريطانية توصي بألا يتلقى الجسم أكثر من 35 في المئة مما يحتاجه من طاقة (سعرات) من الدهون، ونحو 50 في المئة من الكربوهيدرات، دون أن يعتبر هذا إفراطا في الكربوهيدرات.
وفيما يتعلق بالدهون المشبعة، توصي بريطانيا بنسبة أقل، لا تتعدى 11 في المئة مما يتناوله الفرد من سعرات غذائية، بينما توصي الولايات المتحدة ومنظمة الصحة العالمية بأقل من 10 في المئة، أي نحو 20 غراما للنساء و30 غراما للرجال يوميا (وهو ما يستنفده الفرد بالتهام شطيرة هامبورغر بالجبن وأربع ملاعق كبيرة من الزبد).
أما الرابطة الأمريكية للقلب فتذهب لأبعد من ذلك، إذ توصي بنسبة خمسة أو ستة في المئة فقط.
ويحتار الناس مع اختلاف الآراء وتضارب الأخبار، فما القول الفصل في أمر الدهون المشبعة؟
تعرب لين غارتون، خبيرة تغذية بهيئة “هارت يو كيه” البريطانية للقلب المعنية بالكوليسترول، عن قلقها من تشجيع الناس حاليا على تناول الدهون المشبعة. وتقول إن الفرد يتناول فعلا ما يزيد عن حاجته من الدهون المشبعة، فالشخص في بريطانيا يحصل في المتوسط على 12.5 في المئة من سعراته الحرارية من الدهون المشبعة، رغم التزامه بالحد الموصى به من الدهون إجمالا، أما الأمريكي فيتناول 11 في المئة في المتوسط من سعراته من الدهون المشبعة، والأسترالي 12 في المئة.
وتقول غارتون: “تسهم عوامل عدة في رفع مستوى الكوليسترول في الدم، وليس أقلها الإفراط في تناول الدهون المشبعة، وهو ما أكدته الدراسات منذ الخمسينيات”.
وتضيف غارتون أنه قد يكون من الأفضل للبعض تناول أقل حتى من الموصى به من الدهون المشبعة، وخاصة من تتوافر لديه عوامل أخرى تعرضه للإصابة بأمراض القلب.
استبدال الدهون
لكن الدهون المشبعة ليست دائما المسؤولة عن تدهور الصحة، فهي مجرد عنصر واحد من عناصر غذائية عديدة تؤثر في الإصابة بأمراض القلب، وتترابط كافة تلك العناصر فيما بينها.
وحتى حين نستغني عن الدهون المشبعة فإننا قد نستبدلها بأشياء أخرى ليست أقل ضررا.
تقول غارتون: “شككت بعض الدراسات في وجود صلة مباشرة بين الدهون المشبعة وأمراض القلب، لكنها لم تتطرق غالبا لما استعيض به عن تلك الدهون، وهو ما لا يجب إغفاله”.
واستندت بعض المنظمات الدولية إلى أدلة علمية للتوصية بخفض الدهون المشبعة واستبدالها بدهون غير مشبعة، فقد أشارت دراسة إلى أن استبدال خمسة في المئة من السعرات المأخوذة من الدهون المشبعة بنفس النسبة من الدهون غير المشبعة المتعددة (الموجودة في أسماك السالمون وزيت عباد الشمس والجوز والبذور) أو من الدهون غير المشبعة الأحادية (كزيت الزيتون وزيت بذر اللفت) قلل احتمالات الوفاة لأي سبب بنسبة 19 في المئة و11 في المئة بالتتابع.
ووجد أن البدائل “الصحية” للدهون المشبعة في الحالتين قللت الإصابة بالسكتة القلبية، كما قللت الإصابة باستبدال الدهون المشبعة بالكربوهيدرات.
لكن حين تُستبدل الدهون المشبعة بالسكر والنشويات البيضاء، كالدقيق الأبيض، تزداد مخاطر الإصابة بالسكتة القلبية أكثر.
ويقول بيتر كليفتون، أستاذ التغذية بجامعة جنوب أستراليا المشارك في الدراسة، إن “أغلب النصائح الغذائية ببلدان كبريطانيا وأستراليا والولايات المتحدة تقر بالمردود الصحي على القلب عند استبدال الدهون المشبعة بغير المشبعة.”
ويضيف: “للأسف حين بدأت الصناعات الغذائية إنتاج بدائل منخفضة الدهون في الوجبات الجاهزة والحلوى والزبادي وغيره، زادت نسبة السكر فيها، وهو ما لا يقلل على الأرجح من خطر الإصابة بأمراض القلب”.
كما أن بعض أنواع الأحماض الدهنية المشبعة التي تشكل الدهون المشبعة تكون أقل ضرراً من غيرها، ومثال ذلك حمض الستريك الذي يكوّن زهاء نصف الدهون المشبعة في الشوكولاتة الداكنة، إذ لا يرفع كوليسترول الدم. (لكن الحمض الدهني المشبع الآخر، وهو حمض البالمتيك، يرفع الكوليسترول، وبالتالي يُنصح بالاعتدال حتى في تناول الشوكولاتة الداكنة).
كذلك يختلف الأمر فيما يتعلق بمنتجات الحليب، ففي الجبن والزبادي ربما يقلل الكالسيوم (وهو أحد الأملاح المعدنية التي قد تسهم في جعل ضغط الدم طبيعيا) أثر تلك الأغذية في رفع كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة، عن الأثر الذي يحدثه لحم الخنزير المملح مثلا. وربما يفسر ذلك ما لوحِظ من عدم ارتباط تناول منتجات الحليب (ومنها الكامل الدسم) بأمراض الشريان التاجي.
تقول غارتون: “سمعنا جميعا عن معمرين تجاوزوا المئة وكانوا يكثرون من تناول الزبد والقشدة وغيرها. لكن بالنسبة لمعظم الأشخاص، من الأفضل الإكثار من تناول الخضروات والفاكهة والحبوب المكتملة ومصادر الدهون غير المشبعة كالجوز والأسماك الدهنية”.
وتنصح غارتون بالنظر لكامل ما يتناوله الفرد من طعام وشراب، والإكثار من المفيد منه، بدلا من التركيز على عناصر بعينها.