ماذا بعد عودة رئيس الوزراء إلى عدن ؟
العودة الجزئية لرئيس وأعضاء الحكومة اليمنية إلى عدن، الإثنين الماضي بعد تأخر نحو أسبوع من العودة المقررة لها، وضعها «تحت الإقامة الجبرية» وتحت رحمة الميليشيا الانفصالية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي وقع اتفاق الرياض مع الحكومة في 12 الشهر الجاري، والذي لم يغير هذا الاتفاق أي شيء على أرض الواقع في الجنوب، بقدر ما شرعن الوضع التمردي للانفصاليين الجنوبيين بدعم إماراتي.
وذكر مصدر رسمي أن تأخر عودة الحكومة إلى عدن كان بسبب تعنت المجلس الانتقالي الجنوبي وعدم تنفيذه لما تم الاتفاق عليه ولما تضمنه اتفاق الرياض الموقع مع الحكومة.
وقال لـ«القدس العربي»: «للأسف، حتى العودة الجزئية لرئيس وأعضاء الحكومة إلى عدن كان مشوباً بكثير من المعوقات والمشاكل التي أثارها المجلس الانتقالي الجنوبي، بدعم خفي وتشجيع من دولة الإمارات؛ لإبقاء الوضع على ما هو عليه».
ووصف عودة الحكومة إلى عدن قبل ثلاثة أيام بأنها كانت «عودة غير حميدة» أجبرها على «خوض غمار وضع لا تحسد عليه، مسلوبة الإرادة في وضع يشبه حالة «الرهينة» لدى المجلس الانتقالي الجنوبي، حيث لا تستطيع الحركة بحرية حتى في إطار القصر الرئاسي الذي تقيم فيه قسرياً في حي المعاشيق بمنطقة كريتر في محافظة عدن».
وكان تذمر حكومي طفا إلى السطح بشكل علني يوم عودة الحكومة إلى عدن من تدخلات المجلس الانتقالي الجنوبي ومن يقف وراءه من دول التحالف في قرار عودة الحكومة إلى عدن، والذي بدا المجلس وكأنه صاحب القرار في عودة الحكومة، حيث حدد عدد الوزراء وهوياتهم ممن يرى بأنه لا بأس في عودتهم إلى عدن، ومنع عودة آخرين بمن فيهم وزراء ينتمون إلى المحافظات الجنوبية.
وقال مصدر في رئاسة الوزراء إن المجلس الانتقالي الجنوبي حظر عودة جميع الوزراء الذين ينتمون إلى المحافظات الشمالية إلى العاصمة المؤقتة عدن، كما منع عودة بعض الوزراء الذين ينتمون إلى الجنوب أيضاً، واعتبر المصدر هذا التدخل «سافراً» من قبل المجلس الانتقالي و«خرقاً» واضحاً لاتفاق الرياض وإخلالاً بأول بنوده، وهو عودة الحكومة إلى عدن خلال الأسبوع الأول من توقيع اتفاق الرياض.
وكان وزير التربية والتعليم، عبد الله لملس، قد كشف أنه تم منعه من العودة إلى عدن بمعية رئيس وبعض أعضاء الحكومة، وقال: «منعونا اليوم من العودة إلى الوطن!». وأرجع مصدر حكومي أسباب منع عودة وزير التربية إلى عدن من قبل المجلس الانتقالي إلى كونه منتمياً إلى محافظة شبوه (الجنوبية)، التي كسرت فيها شوكة ميليشيا المجلس الانتقالي ورفضت الاستسلام لقوة الأمر الواقع التي فرضتها ميليشيا المجلس الانتقالي بدعم من القوات الإماراتية في آب/أغسطس الماضي، والتي سيطرت خلاله على محافظات عدن ولحج والضالع وأبين، وحاولة التمدد إلى شبوه، لكنها قوبلت بدفاع مستميت من قبل أبنائها من رجال القبائل.
وعاد رئيس الحكومة معين عبد الملك، إلى عدن الإثنين الماضي برفقة 5 فقط من الوزراء الجنوبيين في حكومته، هم وزير المالية سالم صالح سالم، ووزير الكهرباء محمد العناني، والتعليم العالي حسين باسلامه، والأوقاف والإرشاد أحمد عطية، والاتصالات لطفي باشريف، إضافة إلى نائب رئيس الوزراء سالم الخنبشي.
واقتصر سماح المجلس الانتقالي الجنوبي بعودة هؤلاء الوزراء الخدميين بهدف إخراج عدن والمحافظات الواقعة تحت سيطرتهم من الأزمة المالية والخدمية الخانقة التي سيطرت عليها منذ استيلاء ميليشيا المجلس الانتقالي على مقاليد الأمور فيها قبل نحو ثلاثة أشهر، وفي مقدمة ذلك دفع الرواتب لموظفي القطاع الحكومي والعسكري والأمني.
ومع ذلك صعّد المجلس الانتقالي الجنوبي والتشكيلات العسكرية والأدوات التابعة لدولة الإمارات من تحركاتها التي وصفت بـ«الاستفزازية» ضد الحكومة الشرعية في محافظة عدن وبقية المحافظات المجاورة لها، في محاولة منها لإفشال اتفاق الرياض أو إجبار الحكومة على تطبيق بنوده التي تخدم مصالح المجلس الانتقالي فقط والتنصل عن الالتزامات التي يفترض أن يطبقها ضمن هذا الاتفاق.
وشهدت عدن والعديد من المحافظات الأخرى تمردات من قبل بعض القيادات العسكرية المحسوبة على المجلس الانتقالي التي أعلنت رفضها الانصياع لبنود اتفاق الرياض، والتي وضعت محافظة عدن تحت فوهة بركان قابلة للانفجار في أي لحظة، وهو ما يجعل الحكومة في وضع غير آمن، كما أن القوات السعودية التي خلفت القوات الإماراتية في عدن لم تستطع السيطرة على الوضع الأمني هناك.
وقال النقيب جلمود القميشي إن ميليشيا المجلس الانتقالي الجنوبي استولت على تعزيزات عسكرية سعودية وصلت إلى مطار عدن الدولي أمس الأول عبر طائرة شحن عسكرية. وكشف أن هناك تعتيماً إعلامياً كبيراً عما يدور في محافظة عدن من أحداث، لعدم السماح لأي وسيلة إعلامية بممارسة عملها من هناك، وبالذات المناهضة لدولة الإمارات والمجلس الانتقالي الجنوبي.
وتزامن هذا التصعيد السياسي والعسكري من قبل أدوات الإمارات مع تصعيد إعلامي أيضاً ضد الحكومة وسلطتها الشرعية في محافظة عدن وبقية المحافظات المجاورة لها، في محاولة لإرباك المشهد السياسي العام، والتي تنبئ جميعها باحتمال انفجار الوضع عسكرياً من جديد أو استحالة تطبيق اتفاق الرياض على أرض الواقع، والذي توقع العديد من السياسيين أن يكون مصيره مثل مصير اتفاق استوكهولم بين الحكومة الشرعية والانقلابيين الحوثيين في صنعاء.
القدس العربي