في غياب الحكومة المركزية.. مبادرات مجتمعية باليمن توفر الخدمات العامة للقرى
من على سطح منزلها كانت السيدة الستينية خديجة تراقب صوت الحفار وهو يطرق بمثقابه الصخور الضخمة، كان ذلك واحدا من المشاهد المستحيلة لها، فمنذ أن كانت طفلة يافعة لم يعرف الجبل الذي تقف عليه بيوت قريتها السيارات والآلات الثقيلة.
وكما لو كانت تشاهد حلما قالت خديجة وهي تنظر إلى الطريق يمتد عبر الجبل “من كان يظن أن تصعد السيارة إلى قرية الشرف، فالطريق عبر الجبل كان وعرا على من يمشي راجلا، وكان أشد وعورة على الدواب”.
وظل شق الطريق إلى قرية خديجة حلما طالما تمنته بعدما حملها الرجال على سرير لأكثر من كيلومتر هبوطا في الجبل من أجل الوصول بها إلى السيارة التي أقلتها إلى المستشفى حين ألم بها مرض أقعدها الفراش لسنوات.
وتضيف للجزيرة نت “اليوم ننقل أمتعتنا إلى باب المنزل، لكن الطريق ما كان له أن يشق لولا قرار سكان القرية والقرى المجاورة لها في مديرية وصاب بمحافظة ذمار وسط اليمن بأن الحاجة باتت ملحة لشقه، خصوصا مع عودة الكثير من النازحين”.
ولأن الحرب كانت تعصف بالبلاد فإن الاعتماد على الحكومة لشق الطريق لم يكن ممكنا، فاتجه الأهالي إلى المبادرات الطوعية لجمع تكلفة شق الطريق التي وصلت في مرحلتها الأولى إلى أكثر من 20 مليون ريال يمني (36 ألف دولار).
مبادرات أهلية
يعيش اليمن منذ مطلع العام 2015 حربا مستمرة بين جماعة الحوثيين والحكومة المدعومة من التحالف السعودي الإماراتي، وأسفرت عن انهيار في الوضعين الإنساني والاقتصادي، في حين وجد 80% من سكان البلاد أنفسهم بحاجة إلى مساعدات إنسانية، غير إن تلك الأوضاع لم تمنع اليمنيين من تكوين مبادرات مجتمعية حلت محل الأجهزة الحكومية، كان من بينها مبادرة شق الطريق في قرية الشرف بعد أن امتنعت عن القيام بهذه المهام منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي.
وما لبث أن انتقلت عدوى المبادرات المجتمعية إلى قرى أخرى، وبدأ الأهالي في المديرية ذاتها بشق طريق جبلي يكلفهم حسب التكلفة الأولية قرابة 50 مليون ريال يمني (100 ألف دولار) بعدما استعصى عليهم منذ عقود.
ثمرات آنية
لاقت المبادرات المجتمعية رواجا كبيرا بين السكان المحليين، وظهرت بصورة أكبر في صناديق خيرية للقرى والمجتمعات المحلية تدار عبر تطبيق واتساب.
يقول سلمان المصباحي -وهو مؤسس صندوق خيري في منطقته- للجزيرة نت إن فكرة الصندوق تبنى على مساهمات شهرية للأهالي بمبالغ رمزية تصرف في علاج الفقراء أو دفع رواتب المعلمين أو شراء كتب للطلاب.
ويضيف المصباحي “أنجز الصندوق منذ تأسيسه قبل عامين مشاريع كبيرة لم نكن نتخيلها، إذ بات بالإمكان إجراء عمليات جراحية للمرضى، من بينها عمليات زراعة الأعضاء، بالإضافة إلى توزيع سلال غذائية بصورة دائمة، والأهالي يسعون إلى تحويل الصندوق إلى جمعية تعمل بشكل مؤسسي، غير إنهم يفتقرون إلى الآليات الإدارية”.
المدن أيضا
كان للصندوق الاجتماعي للتنمية المدعوم من البنك الدولي والأمم المتحدة الفضل الكبير في نشوء المبادرات في المجتمعات المحلية، ويشترط لتنفيذ مشاريع خدمية مثل بناء المدارس ورصف الطرقات أن يكون هناك تمويل مشترك مع الأهالي.
كما شكل الأهالي مبادرات لحفر الآبار وإنشاء خزانات المياه ودعم الزراعة بالبذور والأسمدة، ولم يقتصر ذلك على الريف فقط، بل شكلت المبادرات نوعا من المقاومة ضد الحرب التي عصفت بأبرز المدن وتعز والعاصمة صنعاء والعاصمة المؤقتة عدن، حيث فرض الأهالي إعادة الحياة إلى أحيائهم ومدنهم.
ولا يوجد إحصاء بعدد المبادرات الأهلية في اليمن لكن في مدينة تعز وحدها تعمل أكثر من مئة مبادرة يشارك فيها أكثر من 1500 شاب، 40% منهم من النساء، وفق تقديرات المسؤول في مشروع التمكن المحلي المدعوم من الصندوق الاجتماعي للتنمية محمد سالم.
ويقول سالم إن المبادرات تعمل وفق آليات مستدامة وأهداف مختلفة لتحقيق التنمية في ظل الحرب من خلال تقوية شبكة الأمان الاجتماعي وحماية المجتمع، وتوفير فرص العمل وسبل المعيشة والخدمات الأساسية طويلة الأثر.
ووفق بيانات الصندوق الاجتماعي على الإنترنت، فإن الصندوق نجح في إنجاز ألف مشروع مجتمعي رغم الحرب، مما ساهم في تحريك أفقر الأفراد ضمن الجماعة لتتضافر إمكاناتهم وخياراتهم جميعا لتعزيز قدرات مجتمعاتهم.
المصدر : الجزيرة نت