عائدات النفط الروسي تخضع لطريقة حساب جديدة لمجابهة آثار العقوبات
تُعد عائدات النفط الروسي الشريان الرئيس لتغذية خزائن الكرملين، ومصدر الإنفاق الأبرز على حرب أوكرانيا، ما دفع نحو إعادة النظر في آلية تقديرها، وفق المعطيات الجديدة والقيود المفروضة من قبل ائتلاف السقف السعري.
ومنذ تفاقم الأحداث الجيوسياسية في 24 فبراير/شباط 2022، لجأت موسكو إلى بيع خاماتها بحسومات هائلة في محاولة لجذب المشترين، وهو ما لاقى قبولًا وشراهة آسيوية.
ويبدو أن الأشهر الأخيرة الماضية شهدت تغيرًا في هذه السياسة، إذ بدأ منتجو الخام الروسي تقليص الفجوة في سعر البراميل مقارنة بخام برنت، لزيادة العوائد وإنعاش الأرباح.
وقد تؤدي طموحات زيادة أسعار بيع الخامات الروسية، نحو وقوع موسكو تحت طائلة العقوبات، خاصة بعد إقرار ائتلاف السقف السعري 60 دولارًا سعرًا أقصى لبرميل النفط الروسي.
آلية جديدة
تشكل عائدات النفط الروسي أولوية للبلاد، خاصة أن صناعة الوقود الأحفوري تسهم بنحو “ثلث” العائدات الإجمالية للميزانية.
وللهروب من تداعيات العقوبات، قُدرت العائدات وفق آلية جديدة اعتمدتها موسكو للمرة الأولى، أطلقت عليها “الحد الأدنى” في احتساب الضرائب على المنتجين، وفق ما نشرته بلومبرغ اليوم الجمعة 1 مارس/آذار 2024.
وكان تقدير متوسط خام الأورال بنحو 65 دولارًا للبرميل، وحساب الضرائب النفطية وفق ذلك، سيدفع المنتجين إلى مواجهة اتهامات بمخالفة العقوبات، أقر الكرملين سياسة الحد الأدنى لأول مرة.
ولحساب عائدات النفط الروسي، حددت الحكومة تسعيرًا للبرميل بحسم 15 دولارًا أقل من مؤشر خام برنت، وأقرت للمنتجين بأنه بإمكانهم حساب مدفوعاتهم الضريبية بهذه الطريقة.
ورغم أن بعض المنتجين كانوا يبيعون شحناتهم بمتوسط حسم يصل إلى 18.12 دولارًا لتحميل البرميل من المواني الروسية، في يناير/كانون الثاني الماضي، فإن هذا المتوسط يعكس ارتفاعًا في أسعار خامات موسكو للشهر ذاته عام 2023، إذ بلغ معدل الحسم حينها مقارنة بخام برنت 40 دولارًا للبرميل.
عائدات ما بعد الحرب
قد تضر الآلية الجديدة واحتساب متوسط الحسم بنحو 15 دولارًا بعائدات النفط الروسي في خزائن الكرملين، لكنها تجنب المنتجين التعرض لمساءلة بموجب العقوبات، وتحميهم من مخالفة السقف السعري.
لكن حتى إن انخفضت متوسط حساب المنتجين للضرائب، إلى 18 دولارًا بدلًا من 15 دولارًا، فإن الفجوة بين سعر برميل النفط الروسي وتسعير خام برنت حاليًا ما زالت أقل من 40 دولارًا قُدرت مطلع العام الماضي.
ومقابل ذلك، فإن الإضرار الحقيقي بعائدات النفط الروسي جاء من التداعيات بعد الحرب وقرار السقف السعري، خاصة أن متوسط الفجوة بين خامات موسكو وتسعير خام برنت كان يدور في نطاق 3 دولارات فقط قبل اندلاع الحرب.
ويُشير ذلك إلى أن الحسم بنحو 18 دولارًا الذي يبيع به المنتجون حاليًا يُعد أكبر بنحو 6 أضعاف، مقارنة بمستويات ما قبل الغزو الروسي لأوكرانيا.
ويبدو أن التعافي الذي تشهده أسعار خامات موسكو سيؤتي بثماره في تعويض انتعاشة خزائنها، إذ تدرج الحد الأدنى للتسعير من حسم بنحو 34 دولارًا للبرميل العام الماضي، إلى 20 دولارًا في ديسمبر/كانون الأول نهاية 2023، ليستقر رسميًا عند 15 دولارًا لاحتساب العوائد الضريبية لشهر يناير/كانون الثاني 2024.
ويرصد الرسم البياني أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- عائدات النفط الروسي من يناير/كانون الثاني عام 2022 حتى الشهر ذاته العام الجاري 2024:
خطط مستقبلية
تستهدف الحكومة الروسية حساب عائدات النفط الروسي وفق آلية ضريبية تعتمد على فجوة قدرها 10 دولارات العام المقبل 2025، وتقليصها إلى 6 دولارات بحلول عام 2026.
وقد يدفع ذلك نحو فرض المنتجين المزيد من الضغوط على المشترين والعملاء، إذ تنحصر الاختيارات أمامهم حينها بين تحميل فارق السعر على المشتري أو على نفقاتهم الخاصة.
وتملك الحكومة الروسية رؤية متفائلة حيال السوق وسلسلة التوريد، إذ تُشير توقعاتها -بحسب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك- إلى خفض الحسم على مزيج الأورال.
وقد يتنافى هذا الطموح مع التهديد الذي أطلقته مجموعة الدول الـ7 الكبرى مؤخرًا، بفرض المزيد من القيود على عائدات صادرات الطاقة الروسية والسقف السعري.
ويطرح هذا التهديد التساؤلات حول مدى نجاح موسكو في تجاوزه، مثلما فعلت من قبل مع سقف 60 دولارًا لبرميل النفط الخام منذ ديسمبر/كانون الأول 2022.
ولجأت روسيا حينها إلى حيل عدة، من بينها: التركيز على السوق الآسيوية، واستعمال أسطول من ناقلات الظل للتغلب على قيود الشحن والتأمين ووثائق الامتثال للسقف السعري.
وباع المنتجون الروس برميل الخام بحسم 18 دولارًا للتحميل من مواني بحر البلطيق (ميناء بريمورسك، وأوست لوغا) وميناء نوفوروسيسك في البحر الأحمر، إذ احتُسبت حينها تكلفة البرميل بنظام التسليم على ظهر السفينة، دون إضافة تكلفة الشحن أو التأمين.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..