مال و أعمال

سقطرى وأرض الصومال.. وجبة استعمارية ساخنة بالتوابل الهندية


يمن إيكو| تقرير:

” بهارات”.. توابل الهند التي غابت عن أجندة التوسع العالمي لقرون، يجب أن تعود لتصبح حاضرة على موائد العالم كافة، هكذا أعلن رئيس وزراء الهند “ناريندرا مودي”، عشية انطلاق قمة العشرين المنعقدة خلال الفترة من 08 إلى 10 أكتوبر الماضي بالهند في دورتها الــ 18.

“ناريندرا مودي” قال إنه ينوي أن يغير اسم بلاده من الهند إلى “بهارات”، وأعقب الإعلان بالتوجه لتحضير وجبة محشوة بالتوابل الهندية في جزيرة سقطرى اليمنية المطلة على المحيط الهندي ووجبة أخرى على أرض الصومال المنشقة تحت غطاء إماراتي.

في تحليل استراتيجي نُشر في الـ 6 من فبراير الماضي بأحد أهم الصحف الهندية “هند بوست” والمؤيدة لتوجهات “ناريندرا مودي”، ميز كاتب التحليل بعنوان: “يجب على بهارات (الهند) أن تستكشف إمكانية إنشاء قاعدة بحرية في سقطرى أو أرض الصومال”.

القاسم المشترك بين كلا الاقتراحين- حسب الكاتب- هو قيام الهند بخطوة جريئة بتنسيق مع الإمارات العربية المتحدة بشكل مباشر في حالة جزيرة سقطرى، وبشكل غير مباشر في حالة الصومال، بغية تحقيق أهدافها الوطنية الأوسع في المنطقة، وإن كان ينطوي كل منهما على الوقوف ضد إرادة حكومتي اليمن والصومال المعترف بهما لدى الأمم المتحدة، لكن هذا ليس مهماً لأن صلاحياتهما لا توجد في الغالب إلا على الورق.

فلماذا جزيرة سقطرى..؟
في تحليل استراتيجي آخر مشترك لأستاذين هنديين متخصصين في الجغرافيا السياسية نشرته صحيفة Firstpost”” الهندية، والتي تعد واحدة من أكثر وسائل الإعلام الهندية شعبية على الإنترنت في الــ 24 من ديسمبر الماضي، أوضح كاتبا التحليل الإجابة وهي: جزيرة سقطرى فرصة جيواستراتيجية للهند للتحقق من طموح الصين المفرط في البحر الأحمر، وإذا نجحت الهند في وضعها تحت نفوذها بالتعاون مع الإمارات ستكون نموذجاً لحالة الجزر الأخرى التي ستمنح الهند النفوذ المطلوب بمنطقة المحيط الهندي.

نقطة العبور الاستراتيجية لجزيرة سقطرى على الطريق البحري الأكثر أهمية بين خليج عدن والبحر الأحمر وربط آسيا بأفريقيا في بنية التجارة البحرية العالمية، أفسحت مجالاً لنشوب صراع سعودي- إماراتي، استغل الطرفان الحرب والتمزق الحاصل في مفاصل الدولة اليمنية لتوطيد نفوذهما، لكن الإمارات تغلبت على السعودية بإسناد من المجلس الانتقالي الجنوبي.

الإمارات استغلت هذه الميزة ورسخت مصالحها الجيواقتصادية والجيوسياسية في أرخبيل سقطرى، وعززت تواجدها على أراضيها وفرضت وضع يدها على المصالح الحكومية مستغلة التحول الإداري لسقطرى من مديرية تابعة لمحافظة حضرموت إلى محافظة عام 2013.

دعم هندي لسيطرة الإمارات على سقطرى
صحيفة Firstpost”” ذكرت أن الهند كانت تتابع ما يحدث في سقطرى، ودعمت الإمارات لترسيخ وجودها وسيطرتها على سقطرى تحت غطاء سياسي وتعاون اقتصادي مشترك، وساندتها بشكل غير مباشر لإنشاء ميناء ومطار في حديبو، وقاعدة عسكرية، ما جعل من الجزيرة معقلاً لأبو ظبي، التي تعي أهمية التغيير في القواعد والسياسات العسكرية والاقتصادية للسيطرة على طرق الاستيراد والتصدير عبر خليج عدن وباب المندب.

التحرك الإماراتي هذا لم يكن إلا غطاء لتوجه هندي وصراع عالمي أكبر يحتدم في خليج عدن والبحر الأحمر والقرن الأفريقي بين الصين وفرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا، ونتيجة تنامي القوة الاقتصادية الإماراتية مسنودة بتعاون وشراكات هندية واسعة، غدت الحاجة ملحة لتعزيز نفوذ البلدين جيوسياسيا وجيواقتصاديا في هذه المنطقة الساخنة من خلال بناء المزيد من الموانئ والقواعد العسكرية في المكلا وعدن والمخا وسقطرى لتحقيق تطلعاتهما كلاعبين إقليميين في البحر الأحمر وخليج عدن.

التعاون بين الإمارات والهند لتحقيق التطلعات المشتركة، سيمكن الهند من التغلب على الصين في المنافسة الجيوسياسية والجيواقتصادية، ويدفع بها لتسريع العمل في ممرها الاقتصادي “IMEC”- في طور الإعداد الهادف لربط الهند بأوروبا والشرق الأوسط، وفي الـ12 من فبراير الجاري وقع رئيس وزراء الهند “ناريندرا مودي” مع الرئيس الإماراتي محمد بن زايد اتفاقيات استثمارية وتجارية عدة، واتفاقاً منفصلاً جرى تحديده بـ “إطار لمشروع ممر تجاري كبير يربط الهند بأوروبا مروراً بالشرق الأوسط”، وذلك خلال زيارة لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى الدولة الخليجية الثرية، حسب وكالة ” AFP”.

مشروع “IMEC” سيمكن الهند من تقليص النفوذ الصيني المتزايد بالبحر الأحمر وخليج عدن وشرق أفريقيا، كما يهيئ لها التحول إلى لاعب رئيس في سلاسل الإمداد والتوريد العالمي، أيضاً سيمكن الهند من ممارسة رقابتها على الصين في تطلعاتها بمشروع “CPEC”، وهو ممر اقتصادي يربط الصين بباكستان، ويعد جزءاً من المشروع الصيني الطموح “طريق الحرير”، وهذا يحد من ممارسة الصين سلطتها على الجزء الغربي من المحيط الهندي.

البوابة الرئيسة
الموقع الاستراتيجي لجزيرة سقطرى ومضيق باب المندي يجعلهما البوابة الرئيسة للهند لتحقيق هذا الطموح، وتمكينها من نشر تجارتها وأيضاً ثقافتها في غرب آسيا وشرق أفريقيا وعالم البحر المتوسط، وتحت مظلة توجهات الهند الديمقراطية المرتكزة على مقولة “العالم أسرة واحدة” لفيلسوف الهند فاسودهايفا كوتومباكام، ولذلك عمدت إلى نهج تقديم معونات بسخاء للبلدان الأفريقية وبالذات عند تفشي كوفيد19.

الهند لم تتوقف عند ألاعيبها الجيوسياسية حيال جزيرة سقطرى، بل عمدت إلى تحريك ما تسميه الروابط التاريخية. تقول صحيفة Firstpost” تاريخياً يعد اتصال سقطرى بالهند أقدم بكثير وأعمق، أضافت الصحيفة وفقاً لـ “بريتانيكا” وهي الموسوعة البريطانية المحدودة، أن كلمة سقطرى نشأت من “Dvipa – Sakhadara” وتعني “جزيرة دار النعيم”، وليس فقط في Dvipa – Sakhadara، بل كان للهند القديمة آثار تجارية وثقافية كبيرة في العديد من الأماكن الاستراتيجية في منطقة المحيط الهندي.

وفي إطار التوجه الهندي بغطاء إماراتي للسيطرة على جزيرة سقطرى، وتحت مظلة نقل الثقافة والمعتقدات الهندية إلى الشرق الأوسط وغيرها، وفي مقدمتها حليفها الرئيس الإمارات، افتتح سفير الهند لدى الإمارات مطلع أكتوبر 2022 أول وأكبر معبد هندوسي في دبي بتكلفة 16 مليون دولار ومساحة 2300 متر، أيضاً افتتح رئيس الوزراء في الــ 12 من فبراير الجاري معبداً آخر في جبل علي.

أيضاً في الــ 12 من فبراير الجاري زار رئيس الوزراء الهندي الإمارات ووقع عدداً من اتفاقيات الشراكة الاقتصادية، واتفاقاً منفصلاً حول الإطار العام لمشروع الممر التجاري الكبير الذي يربط الهند بأوروبا مروراً بالشرق الأوسط وتم التوقيع عليه العام الماضي في قمة العشرين المنعقدة بالهند.

إعادة كتابة ملحمة الهند
تقول صحيفة Firstpost”، تحتاج الجغرافيا السياسية في القرن الحادي والعشرين إلى نقلة نوعية في منطق كتاب ألفريد ماهان “تأثير القوة البحرية” ونظرية ريملاند لنيكولاس سبيكمان التي أيدت أهمية الطرق البحرية، وكذلك الدول الساحلية وسيطرتها على نقاط التفتيش الحرجة.

تضيف: إن موقع الهند الجغرافي الاستراتيجي وسواحلها الشاسعة وقدرتها على الاحتفاظ بنفوذها على الروابط البحرية الحيوية، قد يكون المفتاح لإعادة تنشيط موقعها في منطقة المحيط الهندي، من خلال استغلال روابطها البحرية القديمة وإمكانات “القوى الناعمة الناشئة” في عدد لا يحصى من المجالات.

وحسب صحيفة Firstpost”، يعمل النظام السياسي الحالي الذي يقوده رئيس الوزراء “ناريندرا مودي” في هذا الاتجاه لإعادة كتابة ملحمة الهند المفقودة في مجال المحيط الهندي، ويمكن أن تكون صيغة سقطرى، إذا تم وضعها بالشراكة مع الإمارات العربية المتحدة، نموذجاً في حالة الجزر الأخرى التي ستمنح الهند النفوذ المطلوب في منطقة المحيط الهندي لخلق مساحة تنافسية، والتحقق من طموح الصين المفرط ودبلوماسية الديون في المنطقة.

بالعودة إلى عنوان تحليل صحيفة “هند بوست” “يجب على بهارات أن يستكشف إمكانية إنشاء قاعدة بحرية في سقطرى أو أرض الصومال”، تقول الصحيفة: يفضل صناع السياسات بالهند أن يضعوا في اعتبارهم الفوائد الاستراتيجية الطويلة الأجل المترتبة على أي من الخطوتين الجريئتين فيما يخص سقطرى وأرض الصومال، وعلى وجه الخصوص، تعزيز بشكل كبير للعلاقات مع دولة الإمارات العربية المتحدة، التي انضمت للتو إلى مجموعة البريكس.

أيضاً يمكن للهند والإمارات استمالة الدب الروسي الشريك المقرب على حد سواء لهما، مع إضافة عضو جديد في مجموعة البريكس، إثيوبيا، لتكون مهندس نفاذهما إلى أرض الصومال، فالإمكانيات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية واعدة للغاية لكل منهما.

ولذلك عمدت الإمارات والهند عبر وسطاء سريين مطلع العام الجاري للدفع بإثيوبيا إلى توقيع اتفاقية مع أرض الصومال المنشقة، لمنح إثيوبيا مساحة بحرية لإقامة ميناء وقاعدة بحرية خاصة في ميناء بربرة الصومالي، بتمويل من الهند والإمارات ولكن بعيداً عن أعين العالم، إلا أن الاتفاقية أثارت جدلاً إقليمياً بعد أن طلبت الصومال- التي تطالب بأرض الصومال- دعم إريتريا ومصر لمواجهة هذه الاتفاقية، وهذا أجل التوجه الهندي نحو أرض الصومال، فيما ظلت جزيرة سقطرى هي البوابة المؤمل عليها.

في المقابل لا زالت أرض الصومال تحت مجهر الهند والإمارات، وتحين الفرصة التي من خلالها يمكن النفاذ إلى الوجبة التي يحضر لها لطمرها بالبهارات الهندية.. ومعها تصبح سقطرى وأرض الصومال وجبةً بالتوابل الهندية.





مصدر الخبر

زر الذهاب إلى الأعلى